ربنا موجود

ربنا موجود
قديس العصر

الاثنين، 7 مارس 2016

الالحاد والرد عليه لقداسة البابا


pope_shenouda_3الإلحاد هو أولي الخطايا الأمهات. وأخطرها. وما أكثر الخطايا التي تتولد عن الإلحاد! من الصعب أن تحصي.. والإلحاد علي نوعين: أحدهما ينكر وجود الله. والثاني هو الذي يرفض هذا الإله أو يتهكم عليه وينتقده.. والإلحاد الرافض لله: إما أن يرفضه لسبب شهواني. أو لسبب اقتصادي. فالذين يرفضونه لسبب شهواني. يرون أن الله يقف ضد شهواتهم بوصاياه التي تمنعهم عن التمتع بخطايا معينة. وهؤلاء شعارهم يقول “من الخير أن الله لا يوجد. لكي أوجد أنا”! أي لكي أتمتع بالوجود الذي أريده. بعيداً عن وصايا الله التي تقيدني!
هؤلاء يتهكمون بقولهم: أتدعون أن الله في السماء؟ ليكن في السماء. ويترك لنا الأرض لا شأن لنا به. ولا شأن له بنا..!
***
أما الإلحاد الرافض لسبب اقتصادي: فهو يدعي أن الله يسكن في برج عاجي. ولا يهتم بشئون الأرض. ولا يقيم العدل والمساواة فيها!
ففي الأرض يوجد من يعيشون في فقر وعوز لا يجدون القوت الضروري. بينما يوجد أغنياء يحيون في رغد من العيش. ويفيض عنهم ما يزيد علي احتياجهم. مما يشتهي الفقراء الفتات الساقطة منهم. والله يري ولا يعمل!!
وهؤلاء الملحدون هم الذين أنشأوا الاشتراكية الملحدة. زاعمين أن الكل حسب نظامهم يشتركون بمساواة في خيرات الأرض!!. ومنعوا ملكية الأرض والعقارات. فالناس يسكنون العقارات ولا يملكونها. ويفلحون الأرض ويستفيدون من إنتاجها. دون أن يملكوها كذلك..
وكانوا في بعض أساليبهم الإلحادية. يقولون للفلاح: أتريد بقرة؟
أطلب من الله فإن لم يعطك إياها. اطلبها من ستالين أو لينين.. وحينئذ ستأخذها! فما معني الإيمان بالله إذن؟ وما فائدته؟!
***
وعملياً لا يمكن أن يتساوي الناس في إيرادهم. لأنهم غير متساوين في العقلية ودرجة الذكاء. ولا في القدرة علي الإنتاج…
فقد تبدأ مجموعة معينة بقدر واحد من المال لكل فرد منها. ولكن البعض قد يستثمر في ذكاء واجتهاد وأمانة في العمل. فيزداد المال الذي معه ويتضاعف. بينما البعض الآخر يخسر ما معه. أو ينفقه في الفساد. وينتهي الأمر بأن الذين بدأوا معاً بمساواة في المال. انتهوا علي عكس ذلك تماماً.. ويكون ذلك عدلاً. لأن الله يكافيء كل إنسان بحسب عمله.. إلا لو جعلنا الناس مجرد آلات بلا فكر!!
وقد تتوزع الأرض الزراعية بالتساوي علي الناس. ويتجه البعض منهم إلي الصناعة ويستثمر فيها ماله. فينبغ وتزيد ثروته علي غيره.
وفي النهاية لا نجد هذه المساواة المنشودة…
إننا لا نستطيع أن نخنق أصحاب المواهب والكفاءات. لكي يتساووا مع الخاملين أو الأغنياء. بحجة الوصول إلي المساواة. التي مهما بدأت لا يمكن أن تستمر…
***
وبنفس الوضع لا نقبل أولئك الإباحيين. الذين يرفضون الله لكي يأخذوا حريتهم في إباحتهم. فيفسدون بدون ضابط..
فالله يريد الخير للناس. وليس الخير في الفساد.. ويريد لهم الحرية. بشرط أن تكون حرية منضبطة. ولا تضرهم ولا تضر غيرهم بسببهم. وقد رأينا أن أولئك الذين رفضوا الله ليتمتعوا بوجودهم. لم يتمتعوا بوجود حقيقي. إنما في ضياع. ووصلوا إلي الانحراف وإلي الشذوذ. وفقدوا الصورة المثالية للآدمية والإنسانية.
وحتي إن رفضوا الله بسبب وصاياه. فهل أيضا يرفضون الدولة بسبب قوانينها. ويرفضون المجتمع بسبب أنظمته وقواعده. ويقولون إن كل ذلك يحرمهم من وجودهم!! أو يقولون: من الخير أنه لا توجد القوانين والأنظمة والأخلاقيات. لكن نوجد نحن!!
***
أما الذين انكروا وجود الله. فقد جرهم الإنكار إلي عديد من الخطايا. نذكر من بينها:
أنكروا أيضا الحياة الأخري. ولم يؤمنوا بالقيامة. لأنه من له القوة والقدرة علي إقامة الموتي سوي الله؟ وهم لا يؤمنون بالله..!
وبإنكار الحياة الأخري. أنكروا الثواب والعقاب فيها. وأنكروا ما يسمي بالجنة والنار. وعاشوا بلا هدف. وبلا خوف من نتائج الخطيئة.
انكروا عالم الأرواح جملة. فلا يؤمنون أيضا بوجود الملائكة وكل طغماتهم. ولا يؤمنون بغير المرئيات والماديات. وبالتالي فهم أيضا لا يؤمنون بشفاعة الأبرار. ولا بصلوات القديسين…
هم لا يؤمنون كذلك بالصلاة بصفة عامة. لأنه لمن يصلي أي شخص؟ أليست الصلاة موجهة إلي الله؟ وهم لا يؤمنون بوجود الله. وهكذا فقدوا الصلاة والترتيل والتسبيح وكل الوسائط الروحية.
وفي عدم إيمانهم بالله. أصبحوا لا يؤمنون بالوحي. ولا بالكتب المقدسة. وبالتالي لا يؤمنون بالوصايا الإلهية. ولا يلتزمون بشيء منها…
وعلينا أن نناقشهم في اعتقادهم أو في عدم اعتقادهم
***
نقطة الحوار الأولي معهم هي سبب الوجود. أو مصدره أو علته
هناك موجودات. هذا أمر لا جدال فيه. فمن الذي أوجدها؟
توجد طبيعة جامدة كالجبال والهضاب والأنهار والبحيرات والأراضي كما توجد سماء وشمس وقمر وكواكب ونجوم ومجرات وشهب.. وتوجد كائنات حية كالبشر والحيوان والطيور والأسماك والحشرات. وأيضا توجد أشجار ونباتات.. الخ. فمن الذي أوجد كل تلك الكائنات؟
لابد من كائن كلي القدرة أوجد كل هذا. فمن هو؟
بعض الملحدين يقولون: الطبيعة فما هي الطبيعة؟ وما قدرتها؟
هل الطبيعة هي الطبيعة الجامدة التي لا حياة فيها؟! وهل يمكن لغير الحي أن يوجد كائنات حية. وهذا غير معقول. لأن فاقد الشيء لا يعطيه. فهل الكائنات الحية أوجدت باقي الطبيعة؟ وهذا أيضاً غير معقول. فمن الذي أوجد الكون إذن؟ إجابتنا نحن المؤمنين إنه الله. فإن كان عند الملحدين جواب
آخر فليقولوه. ونناقشه معهم…
***
وإن كانت مشكلة الوجود لغزاً أمام الملحدين بلا حل..
ىفإن مشكلة الحياة ومصدرها. هي لغز أمامهم أكثر عمقاً…
إن كل ما وصل إليه العالم من علم وذكاء واختراع. يقف جامداً أمام مصدر الحياة: كيف أتت؟ وإذا فقدت كيف تعود إن أمكن لها أن تعود؟ ولا أقصد الحياة في سمو وجودها كما في الإنسان. بل حتي الحياة في أبسط وجود لها. كما في الخلية الحية الواحدة أو في البلازما…
إن مجرد حياة نملة تسير علي الأرض تشكل لغزاً أمام الملحد: من أين أتتها الحياة؟ ووجود نحلة تسعي وراء رزقها وتصنع شهدًا من رحيق الأزهار. وتنظم أمورها… هذه النحلة في حياتها وفي صناعتها وفي نظامها عبارة عن لغز أكثر تعقيداً أمام الملحد: كيف أتتها الحياة؟!
وكيف أتاها هذا النشاط وهذه القدرة وهذا التدبير؟
إذا تميزت الحياة بالعقل والفكر. يكون مصدرها أمام الملحد أكثر تعقيداً
وبخاصة إن كان لهذه الحياة قدرة علي الاختراع. كما في حياة الإنسان. ما مصدر كل هذا؟ ويبقي السؤال بلا جواب…
***
إن الحياة علي الأرض كانت لها بداية. فكيف بدأت؟
من المعروف علمياً أن الأرض كانت في البدء جزءاً من السديم. وكانت في نار ملتهبة. لا تسمح بوجود أي نوع من الحياة. لا للبشر ولا للحيوان ولا للنبات. ثم بردت القشرة الأرضية. ولايزال باطن الأرض ملتهباً تخرج منه البراكين والنافورات الساخنة…
فمن أين أتت الحياة علي سطح الأرض. حيث لم تكن هناك حياة من قبل من أين نوع؟ ويبقي السؤال أمام الملحد بلا جواب..
والبعض منهم ربما يقدم افتراضات أو تخمينات ليس لها أي أساس علمي. وتبقي الحياة حتي في أبسط صورها دليلاً علي وجود الله. الذي كانت له القدرة علي إيجاد الحياة…
***
بعض الملحدين يتباهون بقدرات الإنسان علي الاختراع. وقدراته محدودة…
لا شك أنه توجد حالياً اختراعات مبهرة. تدل علي سمو العقل البشري.
والعقل البشري هو أيضاً هبة من الله. كما أن كل ما اخترعه البشر يعتمد علي المادة. فهو يدخل في نطاق الصناعة وليس الخلق. لأن الخلق هو من قدرة الله وحده. والمادة من خلق الله. والملحدون لا يؤمنون بالخلق…
فهل المادة أزلية لا بداية لها. أم أن لها بداية. وحينئذ تكون مخلوقة. وتكون بدايتها لغزاً أمام الملحدين. كيف وجدت؟ ومن أوجدها؟ ولا يمكن أن تكون أزلية. لأن المادة ضعيفة والإنسان يتصرف فيها بأنواع وطرق شتي. والضعف لا يتفق مع الأزلية.
وإن كان عقل الإنسان أظهر براعة من جهة التصرف في المادة بالاختراع. فإن الله قد سمح أن توجد أمام العقل البشري معضلات لم يقدر علي حلها. مثل بعض الأمراض المستعصية التي يقف أمامها العقل البشري عاجزاً…
النقطة التالية في إثبات وجود الله. هي النظام العجيب الموجود الكون. مما يثبت أن هناك من نظمه. ومن يكون إلا الله
لهذا فإن أحد فلاسفة اليونان. كان يلقب الله بالمهندس الأعظم…
إنك إن رأيت كومة من الحجارة ملقاة في موضع. ربما تقول إن الصدفة أوجدتها هناك. أما إن ارتفع حجر إلي جوار حجر. وفوقهما حجر ثالث. وتكون مبني من عدة طوابق. له أبواب ونوافذ وشرفات… فلابد أن يكون هناك مهندس قد قام بهذا العمل… وهكذا الكون!
ہ ألا تري النظام العجيب الموجود بين أجرام السماء وعلاقتها بالأرض:
فالأرض تدور علي نفسها مرة كل يوم ينتج عنها الليل والنهار. وتدور حول الشمس دورة ينتج عنها تتابع الفصول الأربعة. ولها علاقة بالقمر كل شهر من نتائجها أوجه القمر المتعددة… كل ذلك بنظام دقيق لا يختل. مما جعل الكليات اللاهوتية في القديم تدرس علم الفلك لانه يثبت وجود الله…
***
انظر أيضاً إلي العلاقة العجيبة بين الرياح. والحرارة. وضغط الهواء:
وكيف يتحكم كل هذا في اتجاه الرياح. وفي مواسم الأمطار والجفاف. مع علاقتها بالمرور علي البحار والبحيرات. وعلاقة كل هذا بالزراعة ونمو النبات.
حتي يمكن أن تثبت مواعيد للأمطار وللزراعة. ولمواسم الحر والبرد…
وينظم الإنسان حياته تبعاً لذلك. وتتنوع في ذلك بلاد عن بلاد أخري.
فهل كل هذا النظام جاء عبثاً بدون منظم؟! أم لابد من قوة عليا حكيمة قد وضعت نظاماً لكل ما يسير في الكون.. وهذا ما نؤمن به.
***
أما عن النظام في جسم الإنسان. فهو عجب في عجب. حتي أن التأمل في علم وظائف الأعضاء يثبت وجود الله. وكذلك تركيب كل عضو بشري…
انظر إلي المخ وتركيبه وعمله. وما فيه من مراكز للنظر والسمع والنطق والحركة. بالإضافة إلي عمله في الفهم والذاكرة والاستنتاج… العالم كله يقف مبهوراً غاية الانبهار أمام أي مركز واحد من مراكز المخ. وإن اختل لا يستطيع كل علماء الكون أن يعيدوه إلي وضعه الطبيعي…
ماذا نقوله أيضا عن باقي أجهزة الجسم وعملها الدقيق: كالقلب مثلاً أو الكبد. أو الجهاز العصبي أو الدوري أو الهضمي. وعن تكوين الجنين في الجسد وغذائه ونموه. حتي يكتمل ويخرج..
وما نقول ما يشبه عن جسم الإنسان وأعضائه. نقول مايشبهه عن أجسام الحيوان والطيور.. بل نري عجباً آخر في تركيب أجساد الحشرات
أليس كل هذا دليلاً علي وجود خالق كلي العلم والحكمة!!
***
نضيف إلي كل ما سبق الإجماع العام في الاعتقاد بوجود الله
حتي أن الطفل يولد وبالفطرة فيه هذا الإيمان…
وقد تختلف أسماء الله في شتي الديانات. لكن الإيمان بالله أمر ثابت.
أما الإلحاد فله أسباب خاصة نعتبرها دخيلة علي العقل البشري. ولبعضها ظروف اجتماعية أو نفسية. أو هي حروب من الشيطان.

عظه مكتوبه عن العذراء مريم

عظات مكتوبة لقداسة البابا شنودة الثالث – التاريخ: عظة الأربعاء 10-8-2011 في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية

القديسة العذراء مريم :

بمناسبة صوم العذراء أريد أن أكلمكم في هذه الليلة عن القديسة العذراء مريم.

انتظر العالم ميلاد السيدة العذراء طويلًا:

حينما نتكلم عن السيدة العذراء، لابد أن نرجع إلى أيام أمنا حواء. وإلى وعد الرب لها أن نسل المرأة يسحق رأس الحية. فظل العالم ينتظر من هي هذه المرأة التي نسلها سيسحق رأس الحية؟! وكانت كل امرأة تلد بنين تحزن جدًا أنها ستفقد هذا المجد العظيم، مجد أن من نسلها يأتي الفادي العظيم الذي سيسحق رأس الحية. إلى أن جاء إشعياء النبي وضيق الدائرة فقال: “هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا, وهذا الابن سيكون رئيس الحياة” ونص الآية: “هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»” (سفر إشعياء 7: 14). فظل الناس ينتظرون من هي هذه العذراء التي منها سيولد الفادي العظيم.

ملء الزمان:

أجيال كثيرة ظلت تنتظرها وتنتظر ملء الزمان الذي تكون فيه هذه المرأة ويولد منها الرب. وكلمة “ملء الزمان” ذكرت في رسالة غلاطية: “وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 4: 4). هذه التي يولد منها الرب ستكون أعظم امرأة في العالم.

السيدة العذراء هي أعظم امرأة في العالم:

قد اختار الله من كل نساء العالم هذه الإنسانة التي ستكون أعظم امرأة. ويقول الكتاب: “نساء كثيرات نلن كرامات ولم تنل مثلك واحدة منهن” ونص الآية: “بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلًا، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا” (سفر الأمثال 31: 29).

ألقاب السيدة العذراء:

هذه التي ستأتي لقبوها بألقاب كثيرة:

1- سلم يعقوب:

لقبوها بسلم يعقوب الواصل بين السماء والأرض، تصعد عليه الطغمات وتنزل بالاستجابات.

2- الحمامة الحسنة:

لقبوها بالحمامة الحسنة. ولقب “الحمامة الحسنة” يذكره الكاهن باستمرار وهو خارج من الهيكل ليبخر. فعندما يبخر عند العذراء يقول: “السلام لك أيتها الحمامة الحسنة”.
ولماذا لقب “الحمامة الحسنة”؟ الحمامة التي أتت لنوح ببشارة الخلاص أن موجة الطوفان قد انتهى وعادت الحياة إلى الأرض فأحضرت معها غصن الزيتون.
الحمامة الحسنة أيضًا في بساطتها ونقاوتها. ولذلك في سفر النشيد يقول: حبيبتي عيناها حمامتان، ونص الآية: “هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ. عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ” (سفر نشيد الأنشاد 1: 15).
لذلك سميت العذراء بالحمامة الحسنة.

3- المجمرة الذهبية:

وسُميت العذراء أيضًا بالمجمرة الذهبية. والمجمرة أي الشورية، وهذا تعبير لاهوتي، وذلك لأن الشورية نجد داخلها الفحم متحد بالنار وينتج عن هذا الاتحاد رائحة بخور ذكية. “الفحم” يرمز للجسد أو الطبيعة الإنسانية، و”النار” ترمز للاهوت كما قيل: إلهنا نار. “لأَنَّ إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ” (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 12: 29). وهي مصفحة بالذهب من الداخل والخارج رمز لقيمتها العظيمة.

4- تابوت العهد:

شبهوها أيضًا بتابوت العهد المُغشى بالذهب من الداخل والخارج، رمز لقيمته العظيمة، حيث أن بداخل تابوت العهد كان يوجد قسط المن الذي يرمز للسيد المسيح ويوجد أيضًا لوحا الشريعة وقد سُميَ المسيح كلمة الله.
لذلك في التجسد حيا جبرائيل رئيس الملائكة السيدة العذراء بتحية الإكرام والإجلال قائلًا: السلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك. وعندما سألته عن سر هذه التحية قال لها: سيولد منك ولد ويجلس على كرسي داود أبيه ولا يكون لملكه انقضاء. فقالت له: كيف لي هذا وأنا لست أعرف رجلًا. قال لها: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله.
الروح القدس حل على السيدة العذراء حلولًا أقنوميًا | الحبل بلا دنس وقت الحبل فقط:
لم يحل الروح القدس على السيدة العذراء حلولًا عاديًا مثل المواهب والنعمة …إلخ، وإنما حل حلولًا أقنوميًا لأنه سَيوجِد من جسدها ابن، وهذا عمل اللاهوت. وأيضًا ليقدس مستودعها حتى أن المولود منها لا يرث خطية، ويصبح حبلها بالمسيح حبلًا بلا دنس.
لم يحدث أن يحل الروح القدس على أي إنسان (رجلًا كان أو امرأة) حلولًا أقنوميًا. لذلك نحن نقول عن المسيح أنه تجسد من الروح القدس ومريم العذراء وتأنس.

5- السيدة العذراء أم الله وأمنا جميعًا:

وبهذا الشكل هناك تمجيد للسيدة العذراء: أولًا لأنها والدة الإله “ثيئوطوكوس” qeotokoc كما قرر المجمع المسكوني. وثانيًا: هي أم لجميع الرسل لأن السيد المسيح على الصليب قال ليوحنا الحبيب: هذه أمك. وقال لها: هذا ابنك. فأصبحت أم للرسول وبالتالي أم لجميع الرسل. وإن كانت السيدة العذراء أم للرسل ونحن أبناء للرسل، تكون هي أمنا كلنا. أمنا جميعًا ونحن نسبحها قائلين: أمنا القديسة مريم.

6- السيدة العذراء هي الملكة:

هي ليست أمًا وإنما هي أيضًا ملكة، وهذا من عظمتها. ويقول عنها الكتاب: قامت الملكة عن يمينك أيها الملك، ونص الآية: “جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ” (سفر المزامير 45: 9). ولذلك صورة العذراء الطقسية تكون عن يمين المسيح وعلى رأسها تاج وعلى رأسه هو تاج (الملكة على يمين الملك).

ألقاب السيدة العذراء كم لقب ؟:

هناك ألقاب كثيرة للسيدة العذراء كأم مثل:
أم النور: لأن السيد هو نور العالم.
أم المخلص: لأن السيد هو المخلص.
أم الفادي: لأن السيد هو الفادي.
وهناك ألقاب كثيرة أخرى لن نستطيع حصرها.

تكريم العذراء في طقوس الكنيسة:

ومن عظمة العذراء أن جميع الأجيال تطوبها في كل وقت. وطقوس الكنيسة تطوب العذراء حيث نذكرها في الهيتينيات، ونذكرها قبل الملائكة وقبل رؤساء الملائكة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ونذكرها في القداس الإلهي في صلاة المجمع المقدس، ونذكرها قائلين: “سموت يا مريم فوق الشاروبيم، وعلوت يا مريم فوق السرافيم”، نذكرها في الإبصلمودية الكيهكية، ونذكرها في لحن: “شيري ني ماريا”. ونذكرها في صلوات كثيرة. ونذكرها بالأكثر في شهر كيهك، وإخوتنا الكاثوليك يسمونه الشهر المريمي.

السيدة العذراء فخر كل إمرأة:

والسيدة العذراء هي فخر لكل إمرأة. إن كانت حواء أصبحت عار على كل البشر، فإن العذراء عوضت عار حواء.

عظمة العذراء لدى إخوتنا المسلمين:

العذراء لها العظمة أيضًا لدى إخوتنا المسلمين. حيث يقولون عنها “إن الله فضلها على نساء العالمين”، ونص الآية هو: “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ” (سورة آل عمران 42) وكلمة “العالمين” أي العالم الأرضي والعالم السماوي. لذلك أنا لا أَعجب إن كان المسلمون يبنون جامعًا (مسجدًا) باسم مسجد العذراء مريم، لأنها مفضلة على نساء العالمين.

عظمة العذراء تظهر في زيارتها لأليصابات:

ومن عظمة السيدة العذراء ما ظهر في زيارتها لأليصابات حيث يقول الكتاب: حينما صار سلام العذراء في أذن أليصابات امتلأت أليصابات بالروح القدس. ونص الآية: “فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ،” (إنجيل لوقا 1: 41). أي أن أليصابات امتلأت من الروح القدس لمجرد السلام. وليس هذا فقط بل أن ابنها أيضًا الجنين الذي في بطنها الذي أصبح يوحنا المعمدان فيما بعد امتلأ أيضًا من الروح القدس كما قيل عنه في إنجيل: “وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (إنجيل لوقا 1: 15). وعندما امتلأ يوحنا المعمدان من الروح القدس وهو جنين تعرف على مريم العذراء، فارتكض بابتهاج في بطنها، يريد أن يجري ليقدم للرب يسوع التحية. وقد قالت أليصابات للسيدة العذراء أن الجنين ارتكض بابتهاج في بطنها، ونص الآية: “فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي” (إنجيل لوقا 1: 44).
قد تشعر المرأة بالجنين يرتكض في بطنها، ولكن كيف تعرف أن هذا الجنين في حالة ابتهاج؟! هذا لا نستطيع أن نفسره إلا بالكشف الإلهي. فعندما حل الروح القدس على أليصابات تمتعت بالكشف الإلهي، فكُشف لها أن الجنين ارتكض بابتهاج. وعرفت أيضًا أن العذراء هي والدة الإله بالكشف الإلهي (بالروح القدس) حيث قالت للسيدة العذراء: “فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟” (إنجيل لوقا 1: 43). وأيضًا قالت لها: “َطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ” (إنجيل لوقا 1: 45). وهذا يدل على أنها علمت بالروح القدس أيضًا أن هناك شيئًا قيل للعذراء من قبل الرب، وأنها آمنت بهذا الشيء.
كل هذه أشياء من عظمة العذراء في حلول الروح القدس، وأنها عندما تُسلم على إنسان يمتلئ من الروح القدس. لا توجد امرأة في الوجود حدث معها هذا.

السيدة العذراء باركت أرض مصر بزيارتها:

نحن نحب العذراء جدًا ونبتهج أيضًا بأنها زارت بلادنا مصر وقدست كثير من الأماكن. وشهدت مصر معجزات كثيرة تحدث بزيارة العذراء لها. فكانت عندما تزور أحد البلاد التي بها أصنام (حيث سادت عبادة الأصنام في ذلك الوقت) كانت هذه الأصنام تقع إلى الأرض. وقد أمضت السيدة العذراء ثلاثة سنوات في مصر وكان آخر مكان زارته هو المكان الذي بني فيه دير المحرق فيما بعد – بالطبع لم يكن هناك أديرة في ذلك الوقت. لذلك نجد أن الأثيوبيين يقدسون دير المحرق جدًا لأن به مغارة مقدسة من زيارة العذراء قبل أن يبنى الدير. وقد قمنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت بزيارة كنيسة في الحبشة، وتحمل اسم “كنيسة العذراء قسقام”، تيمُنًا بدير المحرق الموجود في جبل قسقام بمصر.

السيدة العذراء باركت مصر بظهورها:

السيدة العذراء أيضًا زارت كنيسة العذراء بالزيتون في يوم 2 أبريل 1968، وتجولت على قبابها وجرت معجزات كثيرة أثناء ظهورها في ذلك الوقت، ولذلك أصبحت هذه الكنيسة مزارًا عالميًا للسيدة العذراء.
أيضًا ظهرت السيدة العذراء في بابادبلو وفي الوراق وفي أسيوط. أي أن العذراء باركت مصر كثيرًا بزيارتها.
كانت العذراء تظهر بهيئة روح وبهيئة حمامة، وبشكلها الخاص وهذا يدل على الحياة بعد الموت. فالعذراء تنيحت منذ فترة طويلة (حوالي 2000 سنة) ولكنها تظهر حتى الآن مما يؤكد أنها ما زالت حية بعد أن ماتت. وهذا شيء جميل يعطينا الكثير من الإيمان.

معجزات كثيرة في حياة العذراء:

وعظمة العذراء أنها تحاط بمعجزات كثيرة. فمجرد حبلها بالمسيح معجزة، ودوام بتوليتها معجزة، ومعجزتها كحالة الحديد في إنقاذ متياس الرسول حتى بعد نياحتها وصعود جسدها إلى السماء كان معجزة.

كتاب يارب لا تبكتني بغضبك

.
المؤلف : قداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث .
الناشر : الكلية الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس .
الطبعة : الأولى – يونيو سنة 1995 .
المطبعة : الأنبا رويس الأوفست – العباسية – القاهرة .
رقم الإيداع بدار الكتب : 4646 / 95 .
I. S. B. N. 977 – 5345 – 26 – x

مقدمة

المزمور السادس من مزامير صلاة باكر .
وأيضاً هو من مزامير التوبة ، مثل إنسان في ضيقة : مثل المزمور 12 ( 13 ) " إلى متى يارب تنسانى " ومثل المزمور الثالث " يارب لماذا كثر الذين يحزنوني .. "
إنه يناسب من هو في ضيقة عادية من أعدائه ، ومن هو في تعب روحي من الخطية ومن الشيطان ... إنه يعبر عن مشاعر مكن أن تمر في قلوب كثيرين ، يطلبون الرحمة من الله . وقد اهتمت الكنيسة بهذا المزمور ، فكررته في بعض صلوات الأجبية : في صلاة باكر ، وفي صلاة الستار للرهبان ، وفي صلاة نصف الليل ... وهو أيضاً من المزامير التي تبدأ بشرح التعب ومشاكل الأعداء المضايقين ، ولكن تنتهى بالفرح . ويشعر المصلى أثناء صلاته أن الله قد قبلها وقد استجاب ، مما يدع إلى التهليل والتسبيح . يشبه في ذلك المزمور الثالث ، وأيضاً الثاني عشر . نفس الروح ، ونفس الاستجابة . ولقد قمت بإلقاء التأملات في هذا المزمور في أواخر سنة 1968 في الاجتماعات يوم الجمعة . وظل التأمل محفوظاً في الكاسيتات الصوتية ، إلي إن شاء الله أن يطبع بعد حوالي 27 عاماً ، ويصل إلى يديك أيها القارئ العزيز . وهو واحد من مزامير كانت موضع تأملاتنا في تلك الفترة . وقد نشرنا بعضها ، وأرجو أن يكون الباقي في طريقه إليك إن شاء الله .
أبريل 1995
البابا شنوده الثالث


(مز6 )

يارب لا تبكتني بغضبك ، ولا تؤدبني بسخطك ارحمني يارب لأنى ضعيف . أشفني فإن عظامي قد اضطربت ، ونفسي قد انزعجت جداً وأنت يارب فإلى متى . عد ونج نفسي ، و أحيني من أجل رحمتك . لأنه ليس في الموتى من يذكرك ، ولا في الجحيم من يعترف لك . تعبت في تنهدي . أعوم كل ليلة سريري ، وبدموعي أبل فراشي . تعكرت من الغضب عيناي . هزمت من سائر أعدائي . عدوا عني يا جميع فاعلي الإثم . لأن الرب قد صوت بكائي . الرب سمع تضرعي . الرب لصلاتي قبل . فليخز وليضطرب جداً جميع أعدائي . وليرتدوا إلى ورائهم بالخزى . هللويا .

يارب لتبكتني بغضبك

لا تبكتني بغضبك

هذا المزمور من مزامير التوبة والمشهورة .. ومن اهتمام الكنيسة به ، وصنعته في صلاة باكر ، وفي صلاة نصف الليل ، وفي صلاة الستار التي يصليها الرهبان . يقول داود في مقدمته :
" يارب لاتبكتنى بغضبك ، ولا تؤدبنى بسخطك " .
وهو هنا يعترف بخطيئته ، ويعترف بأنه يستحق التبكيت والتأديب ، إنما يطلب ألا يكون ذلك شديداً عليه . يقول للرب " لاتبكتنى بغضبك " ، لأنه إنسان ضعيف ، لا يحتمل غضب الله .. لو أدبتني يارب بغضبك ، يمكن أن تفنيني ، ولا تبقى علي . وهذا المعنى قاله أيضاً أرميا النبي " أدبنى يارب ، ولكن بالحق . لا بغضبك لئلا تفنيني " ( أر10 : 24 ) . هو لا يعفي نفسه من التبكيت ، ولكنه يقول : لا تبكتني بغضبك : لأنه " مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي " ( عب10 : 31 ) . عندما غضب الله غضبه شديدة على خطايا الناس ، أغرق العالم بالطوفان . ثم رجع وتحنن ، ووضع علامة حتي لا يعود يفني كل ذي جسد علي الأرض ( تك9 : 15 ) . ثم غضب غضبه أحرق بها مدينة سادوم ( تك19 ) . وغضب الرب على فرعون ، فأغرقه هو وكل جنوده في البحر الأحمر ( خر14 : 28 ) . وغضب الرب على قورح وداثان وابيرام ، فابتلعهم الأرض وهم أحياء ( عد16 : 32 ) .

X X X

ونحن نخطئ كل يوم . وربما تكون خطايانا في مثل خطايا أولئك الناس .
ونصرخ إلى الرب ونقول : لا تبكتنا بغضبك . لو عاملتنا يارب بغضبك ، فلن يخلص أحد . ونحن نصلى للرب في صلوات الصوم الكبير ، ونقول " لأنه إن عاملتنا يارب بعدلك ، فلن نجد حجة " . لذلك يقول داود للرب " لا تبكتنى بغضبك " .
التبكيت له بركات ، ويمكن أن ننتفع بها .
لكن يارب لا تبكت بغضبك ، ولا بسخطك .

X X X

ولنا مثال عجيب في تبكيت ربنا يسوع المسيح لبطرس الرسول : ذلك الذى أنكر ولعن وجدف ، وقال عن السيد المسيح لا أعرف الرجل . ولكن الرب بكته تبكيتاً خفيفاً هادئاً ، لا بغضبه ولا بسخطه . فقال له " يا سمعان بن يونا . أتحبني أكثر من هؤلاء ؟ ارع غنمي . ارع خرافي ... " وكرر السؤال ثلاث مرات ( يو21 : 15 – 17 ) . لم يذكره علنا بإنكاره وخطاياه . دون أن يجرحه ويحرجه .
إن الله لا يخدش مشاعر الناس ، ولا يجرح قلوبهم .
إلا في الضرورة القصوى . تماماً كالطبيب ، الذي بكل رقة يعالج المريض ، لا بقسوة ولا بسخط .

X X X

وكثير من الخطايا لم يبكت عليها الله ...
ابراهيم أبو الآباء مثلاً ، قال عن سارة أنها أخته . حتى أخذها أبيمالك ملك جرار إليه ... ( تك20 : 2 ) . ما هو التبكيت الذي أخذه من الرب . بكت أبيمالك ، ولم يبكت إبراهيم . صحيح أن إبراهيم ناله تبكيت من أبيمالك الذي قال له " ماذا فعلت بنا ، وبماذا أخطأت إليك ، حتى جلبت على وعلى مملكتي خطية عظيمة ؟! أعمالاً لا تعمل عملت بي " ( تك20 : 9 ) . ولكن الله لم يقل له شيئاً . كفي ما ناله .

الإنسان هو الوحيد الذي يكثر من التبكيت .
" والذي يكثر من التبكيت يخرب نفسه " كما قال الحكيم . ويخسر أصدقاءه كما هو عملي في الحياة . يارب لا تبكتني بغضبك . بكتني كما بكت بطرس وإن احتاج الأمر إلى غضب ، لا يدم غضب إلى الأبد . إننا نصلى إلى الله ونقول " أرفع عنا " . يتابع داود صلاته فيقول :
لا تؤدبني بسخطك





أدبني يارب ... فأي أبن لا يؤدبه أبوه ؟! ... والذين لا يقبلون التأديب هم نغول لا بنين ( عب12 : 8 ) . أدبني فإن التأديب نافع لي ، وأنا أستحقه ، لأنني فعلت ما يستوجب التأديب وأكثر . ولكن لا تؤدبني بسخطك بل أدبني حسبما أحتمل . وتأديبك يارب أنا أقبله برضا .
ارحمني يارب فإني ضعيف






( ارحمني ) هي اكثر كلمة مستعمله في الكنيسة وفي صلواتها . ولا توجد صلاة في رفع بخور باكر أو في رفع بخور عشية أو في المزامير ، إلا وفيها عبارة ( ارحمنا ) . . ونكررها مرات كثيرة في قولنا ( كيرياليصون ) ارحمني يارب فإني ضعيف ... وأيضاً لأن قلبك واسع يتسع لكل خطية .. أياً كان نوعها .

X X X
ارحمني يارب ، لأنك لو لم ترحمني أنت ، لا يمكن أن يرحمني أحد غيرك .
لو أن قلبك أنت قد أغلق ، لا أجد قلباً آخر . رحمتك هي الستر الذي أختبئ وراءه فلا تظهر خطاياي . رحمتك هي أساس الفداء . هي أسا س الخلاص .

X X X
ارحمني يارب تعنى حول خطاياي إلى رأس المسيح .
وهذا الذبيح المخلص ، يمحو خطاياي بدمه الكريم . إن كان داود قد قال ( ارحمني ) قبل الفداء ، وله رجاء كبير أن هذا الفداء سيحدث . فنحن لنا رجاء أعظم بعد أن تم الفداء ... إذن يارب احسبني ضمن الذين سفكت دمك من أجلهم . ارحمني يارب فإنى ضعيف . أشفني فإن عظامي قد أضربت ونفسي قد انزعجت جداً .

X X X
فرق كبير بين داود العنيف وداود الضعيف .
بين داود الذى أستل سيفه ، وطلب من عبيده أن يستلوا أيضاً سيوفهم ، ليمضى ويقتل نابال الكرملى ، إذ لم يعطه شيئاً يوم جز الغنم ( 1صم25 : 13 ، 22 ) وقال كلاماً صعباً ، جعل أبيجايل تأتي بسرعة لإنقاذ الموقف .. كان كذلك في عنفه . وأجازه الله في التجربة . ثم أخطأ داود ، وتذلل وتأب ، وبلل فراشه بدموعه . وعرف هذا الملك الجبار ، وهذا القائد العظيم ، وهذا النبى الكبير ، أنه يمكن أن يوجد في داخله قلب ضعيف يمكن أن يشتهي ويسقط .
وهكذا تذلل وقال ارحمني يارب فإني ضعيف .
أنا لست داود ، الذي استطاع في قوة أن يقتل جليات ، ولست داود الذي هدد نابال الكرملي . أنا الآن رجل ضعيف أمامك . فأرحمني يارب .
الله مع الضعفاء





ودائماً الرب يرحم الضعفاء .
أما الشخص الجبار العنيف القاسي الشديد ، يكون بعيداً عن رحمة الله . إلهنا هو إله الضعفاء . " اختار الله ضعفاء العالم ، ليخزى بهم الأقوياء " ( 1كو1 : 27 ) . القوي يعتمد على قوته . أما الضعيف فهو الذى يقف الله إلى جواره .

X X X
حتى الأقوياء الذين اختارهم الله .
كانوا يقفون أمامه كضعفاء . كل واحد منهم يقول له " ارحمني يا الله لأنى ضعيف " . خذوا مثلاً يرينا أهمية الشعور بالضعيف : إيليا النبى الجبار العنيف ، الذي قال تنزل نار من السماء وتأكل الخمسين ( 2مل1 : 10 ) . إيليا الذي أمسك أنبياء البعل والسواري أربع مائة وخمسين وذبحهم ( 1مل18 : 40 ) . وكأن الله يقول لإيليا : هذه الشدة من الجائز أن تتبعك يا ابني ... فماذا فعل الله : سمح أن إيزابل الملكة تهدد إيليا . فخاف إيليا وذهب إلى البرية . ولاقاه الله هناك . وقال له ما لم هنا يا إيليا ؟ فقال له في خوف : قتلوا أنبياءك بالسيف وبقيت أنا وحدي . وهم يريدون نفسي ليأخذوها ( 1مل19 : 14 ) .. أخيراً أمكن أن تخاف يا إيليا .. !!

X X X
وحتى الجبابرة يسمح لهم الله أحياناً أن يخافوا أو يضعفوا ، لأنه يريد القلب المنسحق المتخشع ...
الإنسان الذى يقف مسكيناً أمام الله ، هو الذي يستطيع أن يقف في قوة أمام الناس .. أما الذين يشعرون في أنفسهم أنهم جبابرة : فهؤلاء يبعد عنهم .

X X X
هناك آيات عن هذا الموضوع في أشعياء النبى في الإصحاح الثاني . قال :
" إن لرب الجنود يوماً علي كل متعظم وعال ، وعلي كل مرتفع فيوضع . وعلي كل أرز لبنان العالي ، وعلى كل بلوط باشان . وعلى كل الجبال العالية ، وعلى كل التلال المرتفعة . وعلى كل برج عال ، وعلى كل سور منيع ...
فيخفض تشامخ الإنسان ، وتوضع رفعة الناس . ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم " ( أش2 : 12 – 17 ) .

X X X
الناس الجبابرة المعتزون بقوتهم ، والمعتزون بسلطاتهم ، والمعتزون بعنفهم .. يري كل منهم أنه يستطيع أن يضرب ، ويستطيع أن يذل غيره ـ ويستطيع أن يعاقب ويسيطر . يا خوف هذا الإنسان من هذه الآية التي تقول " إن لرب الجنود يوماً على كل متعظم وعال ، يخفض تشامخ الإنسان ، وتوضع رفعة الناس ، ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم " .. كلام له عمقه وله موسيقاه .. هذا الشخص العالي المتشامخ ، يجب أن ينسحق أمام الله ، ويقول له : ارحمني يارب فإني ضعيف ... قد تكون برجاً عالياً في وظيفتك . قد تكون أرز لبنان أمام الناس . ولكن ينبغى أن تتضع وتقول ارحمني يارب فإنى ضعيف . لأن الرب قادر أن يحق أرز لبنان ، وقادر أن يقطع بلوط باشان ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم...

X X X
الواقع يا أخوتي ، إننا حينما نتتبع معاملات السيد المسيح للناس ، نجده حنوناً جداً ورقيقاً جداً على الضعفاء والمساكين ، ونجده شديداً في معامله العنفاء .
لم يقف المسيح أبداً ضد إنسان مسكين . كان يجمع الضعفاء ويحتضنهم ويشفق عليهم .

X X X
المرأة المضبوطة في ذات الفعل ، أنقذها وقال لها " . وأنا أيضاً لا أدينك . اذهبى ولا تخطئي أيضاً ( يو8 : 11 ) . يكفيها ما نالته من الذل والفضيحة . أما العنفاء الذين شهروا بها ، وجروها للحكم ، فإنه كتب لهم أخطاءهم علي الأرض . وقال لهم " من كان منكم بلا خطية ، فليرمها أولاً بحجر " ( يو8 : 7 ) . فبدءوا بخزي ينصرفون الواحد تلو الآخر . فلماذا انصرفوا في خزي ؟ لآن الرب نفذ نفس الآيه " يخفض تشامخ الإنسان ، وتضع رفعة الناس .. " فكأنه يقول لهم " اخفضوا رؤؤسكم بعض الشيء ، وكفى تشامخاً ، فأنتم أيضاً خطاه تحت الحكم .. ! كفي سعياً وراء رجم هذه المرأة أو غيرها .. فكل واحد منكم محتاج أن يقول : ارحمني يارب فإنى ضعيف ...

X X X
إن كنت تريد أن يرحمك الله لأنك ضعيف ، ارحم الضعفاء .

تقول له : ارحمني يارب فإنى ضعيف . فيجيبك : أين هو هذا الضعف : هل في هذا الانتفاخ والعظمة ضعف ؟! هل في هذا الجبروت ضعف ؟ .. حينما تكون ضعيفاً ، حينئذ سأرحمك .. هل يستطيع أحد أن يقول : ارحمني يارب أنا الجبار ! ارحمني يارب أنا البار ! كلا ، إن هذا الأسلوب لا ينفع في طلبك الرحمة من الله .

X X X
تذلل داود أمام الله . وكأنه يقول :
لست أنا الجبار الذي قتل جليات ، بل أنا الضعيف الذي قتلته الخطية مع بثشبع .
وقتلت النقاوة التي فيه ، وإن كان الله فيما بعد قد أعاد له بهجة خلاصه .

X X X
كان السيد المسيح رفيقاً بالخطاة والعشارين ، رفيقاً بتلك المرأة التي بللت قدميه بدموعها ، أكثر من الفريسي البار في عيني نفسه ، الذى أدانها في فكره . إن الله لم يوبخها علي خطية واحدة ، بل ذكر لها محبتها وانسحاقها ، وقال لها مغفورة لك خطاياك . أما ذلك الفريسى المتكبر فقد كشف له الرب أن تلك المرأة الخاطئة كانت أفضل منه ( لو7 : 36 – 48 ) . فلا داعي إذن للعجرفة ، وكان أولى به أن يقول كما في المزمور " ارحمنى يارب ف أن يقول كما في المزمور " ارحمنى يارب فإنى ضعيف " . ولأنه لم يكن ضعيفاً وقتذاك ، لذلك وبخه الرب . وقال له : " دخلت بيتك ، وماء لرجلي لم تعط .. بقلة فمي ... بالزيت لم تدهن رأسي " .
لم تقم بشئ من واجبات الضيافة والمحبة ،ن وكل عملك كان أن تدين في قلبك . لذلك ينبغي أن يخفض تشامخ الإنسان ، وتوضع رفعة الناس ، ويسمو الرب وحده " .

X X X
وكان السيد المسيح رفيقاً بالعشار المعترف بخطيته الذي يطلب الرحمة لنفسه ،
أكثر من ذلك الفريسى الذي وقف يفتخر بفضائله في صلواته ، فخرج العشار مبرراً دون ذلك الفريسى ( لو18 : 9 – 14 ) .

X X X
وكان السيد المسيح أيضاً رفيقاً بالأمميين ، وبالسامرين ، وبالمولود أعمى الذي أخرجوا خارج المجمع ، فقابله وأظهر له ذاته ودعاه إلى الإيمان ( يو9 : 35 – 38 ) . أما العنفاء فإن الرب يتركهم إلى أن يتركوا عنفهم ، ويحاول أن يهديهم . لقد وبخ الكهنة والشيوخ ، وكذلك وبخهم علي شدتهم ، فقال لهم : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون ، لأنكم تغفلون ملكوت السموات قدام الناس . فلا تدخلون أنتم ، ولا تجعلون الداخلين يدخلون " " أنكم تركتم أثقل الناموس : الحق والرحمة والإيمان " ( مت23 : 13 ، 23 ) . ووبخهم أيضاً علي قسوتهم لأنهم قتلوا الأنبياء " ( مت23 : 31 ) . وبخهم كذلك " لأنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عثرة الحمل ويضعونها علي أكتاف الناس ، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم " ( مت23 : 4 ) .

X X X
ولكن أليست هذه الوصايا الثقيلة ، هي وصاياك أنت يارب ؟
يقول : كلا ، إن وصاياي ليست ثقيلة ( 1يو5 : 3 ) أنا " نيري هين وحملي خفيف " 0 مت11 : 30 ) . أنا لا أضع أحمالاً ثقيلة علي الناس . إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقولها لكم . ولكن لا تستطيعون الآن أن تحتملوا " ( يو16 : 12 ) . إذن لا داعي لها حالياً .

X X X
وهكذا كان رسل الرب بنفس منهجه . حينما اجتمعوا معاً في مجمعهم بأورشليم من أجل قبول الأمم ، قالوا : " لا نثقل علي الراجعين إلى الله من الأمم . بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم " ( أع15 : 19 ، 20 ، 28 ) .وبولس الرسول الطيب الذي لا يريد أيضاً أن يثقل علي الناس ، قال " لم أستطيع أن أكلمكم كروحين ، بل كجسدين ، كأطفال في المسيح " سبقتكم لبناً لا طعاماً ، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون " ( 1كو3 : 1 ، 2 ) .

X X X
لقد اختار الرب يعقوب الضعيف أكثر من عيسو العنيف . واختار يوسف الضعيف الذي تآمر أخوته عليه ، وباعوا كعبد .
أختار يعقوب الذي كان يصرخ له ويقول " صغير أنا عن جميع ألطافك وعن جميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك .. نجني من يد أخي ، من عيسو ، لأنى خائف منه أن يأتى ، ويضربني الأم مع البنين " ( تك32 : 10 ، 11 ) . وهكذا قيل إن الله أحب يعقوب وأبغض عيسو ( رو9 : 13 ) . وقيل لأمه قبل أن يولدا أن الكبير يستعبد للصغير ( تك25 : 23 ) ( رو9 : 12 ) .

X X X
وكان الرب مع يوسف الصغير ، الذي ألقاه أخوته فى البئر ثم باعوه للإسماعيليين ( تك37 : 20 ، 29 ) . يوسف الضعيف أمام مؤامرة إمراة فوطيفار ، الذي طرح في السجن ظلماً ( تك39 : 29 ، 20 ) ... يوسف هذا رفعه الرب ، وجعله أباً لفرعون ، وسيداً لكل بيته
، ومتسلطاً علي كل أرض مصر " ( تك45 : 8 ) . وهكذا نصره الله علي اخوته الضعفاء الذين باعوه ، وجعلهم يأتون ويسجدون أمامه ( تك43 : 26 ، 28 ) .

ووقف الله مع موسى الضعيف .
موسى الثقيل الفم واللسان ، وقف الله معه ضد فرعون الجبار ونصره عليه . موسى هذا الذي قال لله " أنا لست صاحب كلام منذ أمس ولا قبلاً من أمس " ( خر4 : 10 ) " من أنا حتى أذهب إلى فرعون ؟ " وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر ؟!
( خر3 : 11 ) ، كيف يسمعني فرعون ، وأنا أغلف الشفتين ؟! " ( خر6 : 12 ) . موسى هذا الحليم الوديع ، الذي قال عنه الكتاب " وكان الرجل موسى حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين علي وجه الأرض " ( عد12 : 3 ) .
موسى هذا ، قال له الله " جعلتك إلهاً لفرعون " ( خر7 : 1 ) . أي سيداً له . وقال له عن أخيه هارون " تكلمه وتضع الكلمات في فمه .. هو يكون لك فماً ، وأنت تكون له إلهاً " ( خر4 : 15 ، 16 ) . أي مصدر الوحي الذي يوحي إليه بما يقوله من كلام . بل كان الله مع موسى ضد أخويه هارون ومريم ، لما تقولا عليه بعد زواجه من المرأة الكوشية ، فدافع الرب عنه . وقال إنه " أمين علي كل بيتي . فماً إلى فم ، وعيناً أتكلم معه " ( عد12 : 7 ) . وضرب مريم بالبرص لأنها تقولت عليه ...

X X X
من من الناس يستطيع أن يضع في كفتى ميزان : موسى الضعيف وفرعون العنيف ؟!
ويقول من من هذين الإنثين يغلب ؟!
فرعون في الخطوات الأولي استخدم سلطته وعنفه حسبما شاء ، وأذل الشعب ، حتى استاءوا من تدخل موسى لأجلهم . وفي كبرياء قال فرعون " من هو الرب حتى أسمع لقوله وأطلق إسرائيل ؟! لا أعرف الرب ، وإسرائيل لا أطلقه " ( خر5 : 2 ) . أما عن النهاية : موسى الهادئ الضعيف المسكين ، انتصر على جبروت فرعون .

X X X
وهكذا الثلاثة فتية المساكين ، الذين حملوهم بكل عنف وألقوهم موثقين في النار .
هؤلاء الصغار كان الرب معهم في النار ، وشعرة من رؤؤسهم لم تحترق ، ورائحة النار لم تأت عليهم . بينما لهيب النار المتقدة أحرق العنفاء الذين ألقوهم في النار ... ولما أخرجوهم قال نبوخذ نصر " تبارك إله شدرخ وميشخ وعبدنغو ، الذي أرسل ملاكه وأنقذ عبيده " .. ورفع مركزهم في ولاية بابل ( دا3 : 28 ، 30 ) .

X X X
وبالمثل أنقذ الرب دانيال الضعيف الذي ألقوه المتآمرون القساة في جب الأسود . أما الذين اشتكوا عليه ظلماً ، فقد أمر الملك داريوس أن " يطرحوهم فيجب الأسود هم وأولادهم ونساءهم . ولم يصلوا إلى أسفل الجب ، حتى بطشت بهم الأسود ، وسحقت كل عظامهم ( دا6 : 20 – 24 ) .

X X X
كان الله أيضاً مع داود الفتي الضعيف ، حينما وقف جليات الرجل الجبار .
هذا الجبار لما رأى داود ، احتقره وهزأ به ، وحسبه طفلاً . أما داود فكان يضع الحصاه في المقلاع ، وكل نقطة من دمه تصرخ إلى الله بعبارة : ارحمني يارب فإني ضعيف . وكان الله مع ضعفه ، ونصره علي جليات . لأن الحرب للرب كما قال داود ، وكما قال لجليات " أنا آتيك باسم رب الجنود . " " اليوم يحسبك الرب في يدي " ( 1صم17 : 45 – 47 ) .

X X X
القديس الأنبا أنطونيوس الكبير يستخدم كلمة ( ضعيف ) .
حينما كانت تهجم عليه الشياطين في البرية ، كان يقول لهم : أيها الأقوياء ، ماذا تريدون مني أنا الضعيف ؟ .. أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم " . فلما كانوا يسعون هذه الصلوات المملوءة إتضاعاً ، كانوا ينقشعون مثل الدخان . أما في أعماقه فكانت عبارة " أرحمني يارب فإني ضعيف " .

X X X
أنا يارب ضعيف أمامك .
وضعيف أمام الشيطان ، الذي هو " مثل أسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو " ( 1بط5 : 8 ) . إنما قوتي بك . " قوتي وتسبحتي هو الرب ، وقد صار لي خلاصاً " ( مز118 : 14 ) . وأنا ضعيف أمام نفسى . لذلك أطلب دائماً معونتك . وأنا ضعيف أمام الناس ، أمام الأعزاء الذين طلبوا نفسى ، ولم يسبقوا أن يجعلوا أمامهم " ( مز54 : 2 ) . لذلك ارحمني يارب فإني ضعيف .

X X X
إذن فليحترس كل واحد منكم يا أخوتي ، إن وجد نفسه في مركز قوة أو في حالة عنف . أو في موقف اعتداد بالذات كمن يقول : أنا سأعمل ، أنا سوف أودب . سوف ألقي عليهم درساً .
احترس يا أخي ، إذا سلطان إلى يدك . احترس لنفسك ، واحترس من نفسك . ارفض استخدام القوة ، واستخدام السلطة ، واستخدام العنف . بل في صلاتك قل :
ارحمني يارب فإني ضعيف . لا تدفع أحداً إلى يدي ، ولا تدفعني ليد أحد . قبل أن أقول : لا تعط لإنسان قوة يدوس بها علي ، أقول لا تعطني يارب قوة أدوس بها علي غيري . أعطنى باستمرار أن أكون مظلوماً . ومصلوباً لا صالباً ، ومغلوباً . لأنك حينئذ ستكون معي . لا تعطني أن أكون منتصراً علي الناس ، بل أكون منتصراً علي نفسى ، أمامك . فليخف كل واحد من القوة والعظمة والجبروت ، فأن لرب الجنود يوماً علي كل متعظم وعال ، وعلي كل مرتفع فيوضع ...

أمامنا مثال هو سنحاريب ملك أشور .
لقد اعتز جداً ، وأرسل يهدد حزقيا ملك يهوذا بكل كبرياء . فماذا يفعل حزقيا أمام جيش عظيم جداً ، وأرسل تهديد سنحاريب . شعر حزقيا بضعفه ، فمزق ثيابه ، وتغطى بمسح ، ودخل بيت الرب ... وصلي إليه قائلاً : افتح يارب عينيك وانظر ، واسمع كلام سنحاريب .. والآن يارب خلصنا من يده ( 2مل19 : 1 – 19 ) . وأرسل حزقيا رسلاً إلى أشعياء نبي الرب . وشعور حزقيا يقول : ارحمني يارب فإني ضعيف ... فكانت كلمة أشعياء النبي إلى سنحاريب : من عيرت ؟ وعلي من جدفت وعليت صوتاً ؟! وقد رفعت إلى العلاء عينيك علي قدوس إسرائيل !! " ( 2مل19 : 22 ) ... " وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش أشور مائة ألف وخمسة وثمانين ألفاً . ولما بكروا صباحاً إذا هم جثث هامده ( 2مل19 : 35 ) . وبعد عودة سنحاريب إلى نينوي ، ضربه ابناه بالسيف فمات .
X X X
كل هؤلاء الضعفاء وقفوا أمام الله ، يتغنون بقول المزمور :
" جميع عظامي تقول يارب من مثلك ؟ المنقذ ؟ المنقذ المسكين ممن هو أقوى منه ، والفقير والبائس من سالبه " ( مز35 : 10 ) .
ذلك لأن كلاً من المسكين والفقير والبائس ، يقول من أعماقه : ارحمني يارب ، فإنى ضعيف " . أما الأقوياء فإنهم مساكين .
حتى الخطية لا تمسك إلا الأقوياء .
وهكذا يقول عنها الكتاب " إنها طرحت كثيرين جرحي ، وكل قتلاها أقوياء " ( أم7 : 26 )
من أمثال هؤلاء الأقوياء : الذي لا يحترس من الخطية ، ويقول : ليس لمثلي هذه الخطايا . إنها بسيطة ، تحارب المبتدئين ! أما الضعيف فيحترس منها ويقول : ارحمنى يارب فإني ضعيف . هذا هو الذي يخلص ...
X X X
هناك عبارة كتبتها مرة في مذاكرتي وهي :
قال الشيطان لله : أترك لي الأقوياء ، فإنني كفيل بهم . أما الضعفاء فإنني أخافهم . لأنهم إذ يشعرون بضعفهم ، يحاربونني بقوتك أنت ، فيقدرون علي .
الضعيف الذى يصرخ لك قائلاً في كل حين : ارحمني يارب فأنى ضعيف ... فهذا لا أقدر عليه . لأنه كلما يصرخ تأتى أنت وتقف بجانبه ، وتحارب عنه ، فلا أقدر عليه .
X X X
داود كان دائماً يصرخ إلى الرب ليحمية من الأقوياء .
فيقول " يارب باسمك خلصني ، فإن الأقوياء قاموا علي ، والأعزاء طلبوا نفسى " ( مز54 : 1 ، 2 ) وأنا ليس أمامي إلا أن أقول : " ارحمني يارب فأنى ضعيف " .. ذلك لأن الرب أقوى من جميع الأقوياء .
الله ضد الأقوياء المعتزين بقوتهم ، أو الشاعرين بقوتهم ، أو المعتمدين علي قوتهم .
X X X
انظروا ماذا يقول الرب فى سفر عاموس : " وأنا قد أبدت من أمامهم الأموري ، الذى قامته مثل قامة الأرز . وهو قوى كالبلوط . أبدت ثمرة من فوق ، وأصوله من تحت " ( عا2 : 9 ) .
من غير المعقول ، أن يبحث الله عن المساكين ليبيدهم ، بل يبيد أولئك المرتفعين بقامتهم إلى السماء . عند بناء الهيكل ، كان زر بابل محتاجاً إلى معونة الله . لذلك وصلت إليه المعونة الإلهية في سفر زكريا النبي تقول :
" لا بالقدرة ولا بالقوة ، بل بروحي قال رب الجنود " .
" من أنت أيها الجبل العظيم ؟! أمام زر بابل تصير سهلاً " ( زك4 : 6 ) .
من هنا تأتي القوة للإنسان الضعيف ، من عند رب الجنود . وهكذا يقول أيوب الصديق للرب " كيف أعنت من لا قوة له ، وخلصت ذراعاً لا عزلها " ( أي26 : 1 ) .
X X X
في صلواتك أيها الابن المبارك ، ينما تصل إلى عبارة " ارحمني يارب فأنى ضعيف " .
ادخل إلى داخل نفسك ، وحطم أصنامك المنصوبة في هيكل ذاتك .
وأول صنم تحطمه ، هو ذاتك الكبيرة الضخمة القوية في عينيك ، الجميلة في عينيك ، التي تستطيع أن تقتدر ، وتستطيع أن تعمل وأنت تنفذ ، وتستطيع أن تضرب وتعتدي .. حطم ذاتك حطمها ... وحينما تتحول ذاتك إلى تراب ورماد ، حينئذ يقف الله إلى جوارك .
وحينما يقف الله إلى جوارك ، أهمس في أذنيه بهذه الأنشودة الجميلة " ارحمني يارب فأني ضعيف " .


أيوب النبي العظيم ، حينما كان معتزاً ببره وعظمته ، ألقي إلى التجارب والضربات .. عندما كان يغني ويقول : ليتني كنت كما في الأيام السالفة " إذ غسلت خطواتي باللبن ، والصخر سكب لي في جداول زيت . حين كنت أخرج إلي الباب وأهيئ في الساحة مجلسي .. صوت الشرفاء اختفي ، ولصقت ألسنتهم بأحناكهم . لأن الأذن سمعت فطوبتني . والعين رأت فشهدت لي .. لبست البر فكساني . كجبة وعمامة كان عدلي " ( أي29 : 1 – 14 ) .
وحينما يقول أيضاً في اعتزازه بقوته وعدله " همشت أضراس الظالم ومن بين أسنانه خطفت الفريسة " ( أي29 : 17 ) ... وحينما كان يكرر عبارة " أنا " " أنا " ...
X X X
عندما كان أيوب يقول هذه العبارات ، توبخ من الرب ، لأنه " كان بارزاً في عيني نفسه " ( أي32 : 1 ) ( أي38 : 2 ) .
ولكنه أخيراً رفض ذاته ، وقال للرب : " الآن .. أرفض وأندم في التراب والرماد " ( مز42 : 6 ) .. لما وصل للتراب والرماد ، حينئذ رفع الرب عنه التجربة .. " ورد الرب سبي أيوب ، وأزاد على كل ما كان له ضعفاً " ( أي 42 : 10 ) .
لأنه لما وصل إلي التراب والرماد ، وصل في نفس الوقت إلى قول داود : إرحمني يارب فإني ضعيف . قديماً كانت له مهابته وعظمته التي قال فيها " رآني الغلمان فاختبأوا ، والأشباح قاموا ووقفوا . العظماء أمسكوا عن الكلام ، ووضعوا أيديهم علي أفواههم " ( أي 29 : 8 ، 9 ) . أما الآن فإنه تراب ورماد .. وصل أخيراً إلي حقيقته .
نصيحتي لكل إنسان : انس قوتك . انس العظمة التي أنت فيها ، أو التي تشتهيها .
X X X
إن أعطيت سلطة لا تستخدمها ، أعني لا تستخدمها الاستخدام الذي يرفع نفسك .
لا تقو على غيرك . لا تضع أحداً تحت قدميك . لا تتكبر على أحد . لا تحاول أن تغلب باستمرار وأن تنتصر كل حين ، وفى كل مجال تظهر شخصيتك وقوتك .. لا تذل أحداً .. بل أتضع أمام كل أحد . وقال أمام الله كما قال داود ارحمني يارب فأنى ضعيف .
ضعف داود ومذلته

في الواقع أن داود النبي ، كان في مزاميره يتكلم كثيراً عن ضعفه ومذلته ، وبخاصة أمام قوة أعدائه وجبروتهم ...
ليس في هذا المزمور السادس فقط ، وإنما في كثير غيره . فهم في آخر مزمور من مزامير صلاة باكر يقول :
" إن العدو قد أضطهد نفسي ، وأذل في الأرض حياتي . أجلسني في الظلمات مثل اضطهد نفسي ، وأذل في الأرض حياتي . أجلسني في الظلمات مثل الموتي منذ الدهر .. أنقذني من أعدائي يارب ، فأنى لجأت إليك ... بحقك تخرج من الشدة نفسي [ مز142 ( 143 ) ] إنه لا يقف أمام الله خطورة أعدائه . أعداؤه اضطهدوه وأذلوا وأجلسوه في الظلمات مثل الموتي .
X X X
فماذا تستفيد أنت من هذه المزامير ؟ كيف تطبقها في حياتك ؟ وبأي معني ؟ وماذا تعني بكلمة أعدائك ؟
إما تطبقها في المعاملات ، وأعداؤك هم خصومك وقاوموك . أو في حياتك الروحية ، وأعداؤك هم الشياطين والأفكار والشهوات . العدو – عدو الخير – اضهطد نفسي . أطال حربة علي مقاومته . وأجلسني في الظلمات . والظلمة هي التي أحبها الناس أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة " ( يو3 : 19 ) . والذين يعيشون في هذه الظلمة ، نهايتهم أن يطرحوا في الظلمة الخارجية ( مت8 : 12 ) حيث البكاء وصرير الأسنان ( مت25 : 30 ) . إنه الموت الروحي ( لو15 : 24 ) ( رؤ3 : 1 ) ، الذي يقود إلى الموت الأبدي . وهو مصير الذين يجلسون في الظلمات ، فيكونون مثل الموتي إلى الدهر .
X X X
هكذا يتكلم داود عن قوة أعدائه الذين أذلوه . ويقول عنهم في [ مز19 ( 20 ) ] " هؤلاء الأقوياء بخيل . ونحن باسم الرب ننمو " .. أنا لست مثل هؤلاء الأقوياء ، أصحاب المركبات – كما كان فرعون بمركباته – ولكننى باسم الرب أنمو ، كما دخلت على جليات باسم رب الجنود ( 1صم17 : 45 ) .
X X X
وفي أول مزمور من مزامير الساعة السادسة ، نقول مع داود " استمع يا الله صلاتي .. فإن الغرباء قد قاموا على ، والأقوياء طلبوا نفسى . ولم يجعلوا الله أمامهم " [ مز53 ( 54 ) ] ... هؤلاء الغرباء عن ملكوتك ، والأقوياء بكل أسلحة عدو الخير . هؤلاء طلبوا نفسى ليهلكوها . ولم يجعلوك أمامهم . أما أنا فقد جعلتك أمامي في كل حين . لأنك عن يميني فلا أتزعزع ( مز16 : 8 ) .
إن قوة أعدائي ، أضع أمامها قوة الله .
X X X
يتابع داود حديثه عن قوة أعدائه فيقول في ثاني مزمور من مزامير الساعة السادسة " أرسل الله رحمته وحقه ، وخلعي نفسى من بين الأشبال ، إذ نمت مضرباً " [ مز56
( 57 ) ] ... خلص الله نفسه من بين الأسود ، وهو مسكين نائم وهو مضطرب وخائف .. ويستطرد في نفس المزمور فيقول " أسنان أبناء البشر وسهام ، ولسانهم سيف مرهف .. نصبوا لرجلي فخاخاً ، وأحنوا نفسي . حفروا قدام وجهي حفرة قدام وجهي حفرة ، فسقطوا فيها " .
إنني كلما أذكر قوة أعدائي يارب ، وتآمروا على ، إنما أذكر مع ذلك أيضاً تدخلك لإنقاذي .
سوف أنسي لسانهم الذي يتقولون به علي ، في عنف السيف المرهف . وسوف أنسي الفخاخ التي نصبوها أمامي لكي يصطادوني بها وسوف أنسي الحفرة أمامي لأسقط فيها .. ولكنني سأذكر فقط رحمتك التي جعلتهم يسقطون فيما حفروه لي من حفر ..
X X X

بل إن داود يشرح مدي عنف أعدائه وإحاطتهم به كالنار ، فيقول في مزمور 117 ( 118 ) [ من مزامير الغروب ] : " أحاطوا بي احتياطا واكتنفوني .. أحاطوا بي مثل النحل ، والتهبوا كنار من شوك ...
وماذا كان موقفك يا داود أمام كل هذه الخطورة ؟
يقول " دفعت لأسقط ، والرب رفعتني " .
" يمين الرب صنعت قوة ، فلن أموت بل أحيا ، وأحدث بأعمال الرب " .
لن أتحدث عن ضعفى ، ولا عن قوتهم ، بل عن عمل الرب معي ،ن وإنقاذه وخلاصه .
X X X
وهكذا فإن داود يختم حديثه عن قوة أعدائه وهجومهم القاسي عليه ، بتلك الأنشودة الجميلة :
" قوتي وتسبحتي هو الرب ، وقد صار لي خلاصاً " . ونحن نتذكر هذه العبارة العميقة في دلالتها ، وننشدها في أسبوع الآلام ، متذكرين في كل ما تعرض له السيد المسيح من آلام وضيقات ، إنها صارت لنا قوة وخلاصاً ، نسبح الرب بها ، لأنه هو قوتنا وخلاصنا .
X X X
نتذكر لداود أيضاً مزموراً من مزامير صلاة الغروب ، يقول فيه : " لولا أن الرب كان معنا ، حين قام الأعداء علينا ، لا بتلعونا ونحن أحياء ، عند سخط غضبهم علينا " [ مز123 ( 124 ) : 2 ، 3 ] .. هل إلى هذه الدرجة كنت ضعيفاً أمامهم يا داود ؟* وإلي هذه الدرجة كانوا أقوى منك ؟**! يجيب " مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم " ... كأنهم وحوش مفترسون إذن ؟! نعم ، ولكن انكسر ونحن نجونا . عوننا باسم الرب الذى صنع السناء والأرض " .. وكأن داود يقول : ارحمني يارب فإني ضعيف . أنا مثل عصفور صغير ومسكين ، واقع بين فخاخ الصيادين . لو لم تدركني رحمتك ، لوقعت في أيديهم . صياد واحد يقدر علي بالأكثر عدد من الصيادين !!
X X X
يقول للرب أيضاً في مزمور من مزامير صلاة النوم :
" بصوتي إلى الرب صرخت .. أبث لديه ضيقي ، عند فناء روحي مني . وأنت علمت سبلي . في الطريق التي أسلك أخفوا لي فخاً . تأملت عن يمين وأبصرت . فلم يكن من يعرفني . ضاع المهرب مني ، وليس من يسأل عن نفسي . فصرخت إليك يارب " [ مز141 ( 142 ) ] .
X X X
هذه الصلاة هي صراخ نفس فى ضيقة ، أمامهم فخاخ العدو وليس من مهرب ، وليس من يسأل عنها . المعين الوحيد هو الله .
إذن طريق القديسين ليس سهلاً . إنه الطريق الكرب ، والباب الضيق ، وهجمات العدو ، وكثرة العثرات والمتاعب والأحزان . وهكذا يصرخ داود إلى الرب في نفس المزمور " نجني من الذين يضطهدوني ، فإنهم قد اعتزوا أكثر مني " . إنه هنا يعترف بضعفه ، وبأن أعداءه أقوي منه . لذلك يقول . صرخت إليك يارب : نعم وأصرخ وأقول : ارحمني يارب فإني ضعيف ...
X X X
لقد مسحه الله ملكاً . ولكن الملك لم يكن سلطة وعظمة وكرامة . وإنما " كثيرة هي أحزان الصديقين .. " ( مز34 : 19 ) . وقد أحس داود بكل هذه الضيقات التي تحيطه من كل جانب ، كما أحس أيضاً بكثرة الأعداء في حياته ، فقال :
" أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب " ( مز69 : 4 ) .
X X X
وهل اقتصر الأمر على بغضة هؤلاء لك ، ومشاعرهم الرديئة من نحوك ؟ كلا ، بل قادتهم البغضة إلى الاعتداء . وهكذا يقول :
" على ظهري جلدني الخطاة ، وأطالوا إثمهم " [ مز128 ( 192 ) ] .
هذا هو داود ، الذي يقف قوتهم أمام الله كمسكين : أعداؤه قد اعتزروا أكثر منه ، هو ليس في مثل قوتهم ، كما أن عددهم أكثر من شعر رأسه . وقد اضطهدوه إثمهم . طالت به المدة ، وهو يجلد على ظهره .. حقاً ، إنه يقف أمام الله كضعيف يطلب معونته ، ويقول له ارحمني يارب فإني ضعيف .
X X X
ولكنه وهو واقع تحت اضطهاد هؤلاء الخطاة له ، يؤمن تماماً – وبالخبرة – إن الله سيخلصه منهم ويقضى عليهم ، فيقول :
الرب صديق هو ، يقطع أعناق الخطاة .
بل يقول أيضاً " الرب لا يترك عصا الخطاة تستقر على نصيب الصديقين " [ مز124 ( مز125 ) ] . يمكن أن يتعرضوا لضربات هذه العصا من الخطاة . ولكنها لا تستقر عليهم ، أي لا يستمر الأمر هكذا ، فلابد أن يتدخل الرب ، وينزع هذه العصا .
X X X
ولكن متى ينزعها الرب ؟ قد يتركها فترة طويلة ، من الألم المرير الواقع من هؤلاء الخطاة الذين يضطهدوني " " كثر على ظلم المتكبرين " " كلت عيناي من إنتظار أقوالك ، متي تعزيني ؟ " ( مز119 ) إلى أن يصرخ فيقول :
كادوا يفنوني على الأرض .. " ( مز119 : 87 ) .
وفى ترجمة أخري " لو لا قليل لأفنوني من الأرض " ...
هذا هو داود الذي كان يقول في المزمور " ارحمني يارب فإنى ضعيف " .
X X X

وأنت أية تأملات تجول في ذهنك ، خلال ما يقوله داود عن ضعفه في المزامير ؟

يمكن أن تقف في حروبك الروحية صارخا إلى الله من قوة جنود الشر الروحية ، التي اعتزت أكثر منك ...
جنود الشيطان الذين اضطهدوك بلا سبب ، وأطالوا إثمهم وكادوا أن يفنوك من على الأرض .. تصرخ إليك من الأفكار القاسية الملحة ، التي تريد إسقاطك ، وتطلب لنفسك لتهلكها .. وتقول في كل ذلك " ارحمني ياربي فإني ضعيف " . سواء إن كنت محارباً بخطية ، وأنت غير قادر على مقاومتها أو إن كنت في ضيقة ، وأنت غير قادر على الخروج منها .. في كلتي الحالتين تقول مع داود " ارحمني يارب فإني ضعيف " .
X X X
إن داود بعد الخطية الكبري التي وقع فيها ( 2صم 11 ) ، شعر بضعفه بالأكثر . في الأول كان يقال عنه إنه " جبار بأس " ( 1صم 16 : 18 ) . وغنت له النساء بالرقص والدفوف والفرح قائلات " ضرب شاول ألوفة وداود ربوات " ( 1صم 18 : 6 ، 7 ) .. أما الآن فلم تهزمه ألوف ولا ربوات ، بل امرأة واحدة " .. ووقع في الخطية ، وانذل ...
في الواقع إنه كما أذلته الخطية ، كذلك نقول إنه استفاد أيضاً من هذا الذل .
لهذا نراه يقول في المزمور الكبير " خير لي يارب أنك أذللتني ، حتى أتعلم حقوقك " 0 مز119 : 71 ) . فما هو الخير الروحي الذي حصل عليه ؟ أولاً بدأ يشعر بضعفه ، وهذا لون جميل من أتضاع النفس . وهكذا يقول في مزموره السادس " إرحمني يارب فإني ضعيف " ضعيف ، وفي حاجة إلى رحمة من الله .


وماذا يقول بعد ذلك ؟ يقول :
اشفني فإن عظامي قد اضطرب ، ونفسي قد انزعجت جداً .
بدأ يشعر أنه مريض ، جسداً وروحاً ، فالخطية ونتائجها لها تأثير على كليهما . فمن اضطربت : لو ارتعش الجسد ، لكن الأمر سهلاً . أما أن تضطرب العظام الصلبة القوية ، البنيان الهيكل الجبار ، فإن هذا يدل على أن جسده كله على وشك الضياع ... وليس جسده فقط ، بل يقول " ونفسي قد انزعجت جداً " ...
انزعاج النفس كان تعويضاً ورد فعل للذة الخاطئة التي نالتها نفسه من الخطية ...
إن الخطية ليست مجرد تحقيق لشهوة الجسد ، إنما لها رد فعل عنيف على ناثان " أنت هو الرجل .. " . " لماذا احتقرت كلام الرب ، لتعمل الشر في عينه .. " " جعلت بهذا الأمر أعداء الله يشتمون .. " ( 2صم12 : 7 – 14 ) . وهكذا حينما أدرك عمق خطيته ، بدأت نفسه تتعب وتنزعج .. وصار يبكي ويتنهد ، بل يقول " تعبت في تنهدي " ...

  بهذا في عمق تعبه النفسي ، قال للرب :
" وأنت يارب فإلى متى ؟ عد ونج نفسي ، وأحيني من أجل رحمتك " .
عبارة " أحيني " تعني أنه في نظر نفسه ميت .. طبعاً يقصد بهذا الموت الأدبي والموت الروحي . كما قال الآب في عودة أبنه الضال " إبني هذا كان ميتاً فعاش " ( لو1 : 24 ) ، وكما قال الرب لملاك كنيسة ساردس " إن لك اسما إنك حي ، وأنت ميت " ( رؤ3 : 1 ) . إذن داود في وصف نفسه : ضعيف ، ومريض ، عظامه مضطربة منزعجة ، وتعبان ؟، ومتنهد ، وباك وميت ...
X X X
تركه الله حتى استوى ، حتى امتلأ كأسه ، وذلت نفسه ، . انفتحت عيناه أخيراً ، وأنكشف عنه الغطاء ، وشعر بحقيقة ذاته ، فإذا هو لا شئ قدام نفسه .. رأى نفسه ضعيفاً ومريضاً ومحتجاً إلى رحمة الله .. لقد تغير حالة عن ذي قبل .. رفع الغطاء عن الجبار ، فإذا هو في الموازين إلى فوق ( مز62 : 9 ) . أين جبار البأس ؟! إن مجرد نظرة ألقاها علي جارته من فوق سطح بيته ( 2صم11 : 2 ) ، أنهار أمامها كل بنيانه . حقاً إن الإنسان لا شئ " إنما نفخة كل إنسان قد جعل .. " 0 مز39 : 5 ، 11 ) .. مجرد منظر ...
X X X
أين ذلك الجبار ، رجل الحرب ؟! أين رجل المزمار والقيثار ؟! أين العود الذي كان يضرب عليه ، فيهدأ شاول حينما يقتحمه الروح الردئ ؟! أين رجل الصلوات الذي مازلنا نتعلم الصلوات من مزاميره ؟! أين .. أين .. ؟ لقد بقيت عظام مضطربة ، ونفس منزعجة ، وصوت يصرخ إلى الله ويقول :
وأنت يارب إلى متى ؟ عد ونج نفسي ...
إلى متى أظل في هذا التعب الداخلي ، وهذا الحزن الذي يحاصرني ؟ إلى متى أظل في صغر النفس ، والشعور بالخسة والعار ؟! وذكريات الخطية تتعبني .. إلى متي تتركني هكذا ؟ عد ونج نفسي . امنحني بهجة خلاصك . انضج على بز وفاك فأطهر . إغسلنى فأبيض أكثر من الثلج " .. أحيني من أجل رحمتك ...
X X X
رولاقلـ يسوع ـب
02-06-2008, 12:08 PM
" نفسي قد انزعجت جداً " أي أنه فقد سلامه الداخلي .
لأن الخطية لا يمكن أن يكون معها سلام .. " لا سلام – قال الرب – للأشرار " ( أش 48 : 23 ) . أين يا داود تسابيحك وأغانيك ؟! أين قيثارتك الحلوة ؟ .. لقد علقت قيثارتي على أوراق الصفصاف . كيف أسبح تسبحة الرب في أرض غريبة ؟! ( مز137 : 2 ، 4 ) ... الخطية جعلتني في حالة غربة عن الله ...

X X X

" نفسي قد انزعجت جداً " . حقاً إن آلام النفس أصعب من آلام الجسد .
لذلك يقول للرب : عد ونج نفسي . عد أنت إلى ، إن كنت لم أعد إليك .. ونج نفسي ، لأن نجاتها في يدك أنت وحدك .. أنت الوحيد الذي تستطيع أن تعزيني . لأنى أعرف جيداً أني " إليك وحدك قد أخطأت ، والشر قدامك صنعت . فأحيني من أجل رحمتك .
وصل داود إلى انسحاق النفس ، فوصل بذلك إلى الله .

X X X

ووقف أمامه يتكلم معه بصراحة ، ويشرح له حالة بعد الخطية ويطلب رحمته . ويقول له " وأنت يارب إلى متى ؟ " .
أنا يارب قد سقطت . ولكن أنت ؟ أين أنت منى ؟
لماذا يعيرونني قائلين : أين هو إلهك ؟! ( مز42 : 10 ) . أنا مهما بعدت عنك ، أنت لا تبعد عنى . ومهما كنت ضعيفاً ، أنت الذي تسند ضعفى . وإن كنت ساقطاً ، أنت الذي تقيمني من سقطتي . وإن كانت الخطية قد أهلكتنى ، عد ونج نفسي ، وأحيني من أجل رحمتك . كرحمتك يارب وليس كخطاياي .

X X X

نحن إنما ندخل إلى قلب داود ونتخيل مشاعره ... هو لم يقل هنا : إلى متى يارب تنساني ( مز13 : 1 ) ولا إلى متى يارب تقف بعيداً ، إلى متى تختفي في وقت الضيق ( مز10 : 1 ) ... إنما في هذا المزمور قال إلى متي .. وسكت !! غلبة التأثير فلم يكمل العبارة .. أنت يارب فاهم ما أقصد ...
الذي أنتظره يارب منك أن تتدخل . لاتتركنى .
لا تتركني لعظامي لنفسي الضعيفة ، ولا تتركني لأعدائي الأقوياء . ولا تتركني لعظامي المضطربة . ولا إلى نفسي المنزعجة يقول له : إلى متى ؟ لأنه قد طال الزمان ، وثقل الهم . وشعر داود بالاحتياج إلى الله .

X X X

إن الله في الحقيقة : أحياناً يستجيب بسرعة ، وأحياناً يبطئ !
له حكمته في الاستجابة السريعة ، وله حكمته في الإبطاء . من جهة الاستجابة السريعة ، يعطينا مثلاً عجيباً في 0 أش 65 : 24 ) إذ يقول الرب " ويكون إني قبلما يدعون ، أنا أجيب ، وفيما هم يتكلمون بعد أني أنا أسمع " ... قبلما يطلبون الطلب ، أنا أجيبهم إليه .. حقاً هذا عجيب . ولكنه ليس عجيباً على هم يتكلمون بعد " أي قبل أن يكلموا كلامهم ، إني أنا أسمع .. لأني أسمع ما القلب ، قبل أن يفوه به اللسان ...

X X X
لعلك يارب تستجيب هكذا بسرعة للأبرار الذين لم يخطئوا إليك ، أو لمن يغضبوك بأفعالهم . أما أنا فلست من هؤلاء . أنا أستحي من أن أرفع وجهي إليك . لذلك عظامي قد اضطربت ونفسي قد انزعجت جداً .. لذلك قد صبرت على . فإلي متى يارب ؟ لعله توجد في عينيك يا داود بعض دموع مخزونة في عينيك ، أريد أن أعصرها فتسقط . ربما توجد بعض تنهدات لم تتأوه بها بعد ... ربما يوجد بعض انسحاق . أنت محتاج إليه لتكمل به توبتك . لذلك أنا صبرت عليك .. صبرت حتى تقول " أعوم في كل ليلة سريري ، وبدموعي أبل فراشي ... إلى متى يارب ؟ إلى متى أسلك كئيباً من مضايقة عدوي ( مز42 : 9 ) من مضايقة أولئك الذين يحزنونني قائلين : ليس له خلاص بالله ( مز3 ) .. ربما يكون السبب منك أنت يا داود . X X X

الله دائماً يتدخل في الوقت المناسب . قد نظن نجن أنه أبطأ . ولا يكون الأمر هكذا .

عد ونج نفسي .
كونه يطلب من الرب أن يعود ، معناها أنه شاعر بالتخلي ، شاعر أن تالله قد بعد عنه ، فارقه ، وقد اغترب هو عن الله . وأن الله لا يعمل معه . لذلك يقول : عد ونج نفسي . عظامي المضطربة ، فلتبق مضربة . فليس الجسد هو الذى يتبعني بالأكثر . ولكن ماذا عن نفسي المنزعجة جداً . أعطها شيئاً من السلام ، وشيئاً من التعزية ، ولا تترك نفسي هكذا في انزعجت . إنك في تجربة أيوب الصديق ، سمحت للشيطان أن يضرب جسده ، ولكنك منعته من جهة نفس أيوب فلا يمسها ... ( أي2 : 6 ) . وأنا نفسي قد انزعجت جداً . عد ونج نفسي .

X X X

إنه شاعر بالتخلي وبالغربة عن الله ، وكأنه يقول له :
أين يارب محبتك الأولي ؟ أين تعزياتك القديمة ؟
أين وجهك ، لماذا صرفته عني ، فصرت قلقاً .
ولعل هذا ما شعر به أيوب أيضاً في وقت مذلته ، فقال : " يا ليتني كما في الشهور السالفة ، وكالأيام التي حفظني الله فيها . حين أضاء سراجه على رأسي ، وبنوره سلكت في الظلمة ورضا الله على خيمتي .. إذ غسلت خطواتي باللبن ، والصخر سكب لي جداول زيت ... " ( أي29 : 2 – 6 ) .
هكذا داود يقول : عد يارب .
عد إلى علاقتك معي ، كالأيام التي اخترتني فيها من بين كل أـخوتي ، وأرسلت صموئيل النبى ليسكب علي من دهن المسحه ، فيحل على روحك القدوس 0 1صم16 : 13 ) ... والآن عد ونج نفسي وأحيني ...
X X X

بين كل حين وآخر يقول : يارب .. لأنه لو لجأ إلى أحد آخر لا يجد عوناً ، ولا عزاء ولا رجاء . وهذا كان منهج داود باستمرار . إنه يقول في مزمور آخر " الرب لي معين ، وأنا أري بأعدائي . الإتكال على الرب خير من الإتكال على البشر . الرجاء بالرب خير من الرجاء بالرؤساء " ( مز118 : 7 – 9 ) .

إنه يقول للرب ( أحيني ) . فلماذا ؟ يقول :
" لأنه ليس في الموتى من يذكرك ، ولا في الجحيم من يعترف لك .

وأحيني من اجل رحمتك .
نعم . من أجل رحمتك . وليس من أجل استحقاقي ، ولا من أجل توبتى ، ولا من أجل صلاتي ، ولا من أجل دموعي . أحيني من أجل رحمتك . من أجل أنك حنون وطيب .
إنها حجة قوية يتمسك بها داود ، وهي رحمة الله ... لو أن داود تمسك باستحقاق توبته ، لقال بذلك غير محدودة ومهما تبت فتوبتك محدودة ... لكنه حينما يتمسك برحمة الله ، فالله لاحمته واسعة . داود يدرك هذا تماماً . فحينما خير بين ثلاث عقوبات ، بعدما أخطأ وعد الشعب ، قال داود " أقع في يدي الله ، ولا أقع في يد إنسان ، لأن مراحم الله واسعة " ( 2صم 24 : 14 ) .

X X X

يقول له : وأنت يارب ، فإلي متى ؟
كلمة : ( يارب ) كررها كثيراً في هذا المزمور :
يقول : يارب لا تبكتني بغضبك ...
ارحمني يارب فإني ضعيف .
اشقني يارب فإن عظامي قد اضطربت .
وأنت يارب ، فإلي متى ؟
وفي آخر المزمور يقول : لأن الرب قد سمع صوت بكائي . الرب سمع تضرعي . الرب لصلاتي قبل ...
سبع مرات في مزمور يضم عشر آيات فقط .
حقاً إن أسم الرب برج حصين ، يركض إليه الصديق ويتمنع " ( أم18 : 10 ) .
الله دائماً يتدخل في الوقت المناسب . نظن نحن أنه أبطأ ، ولا يكون الأمر كذلك .
ونظن أن الله قد نسيتنا ، أو أنه قد اختفي عنا . ويصرخ القلب قائلاً " أسرع وأعنى " ( مز70 : 1 ، 5 ) . بينما ما نراه إبطاء ، ما هو إلا إنتظار الوقت المناسب للعمل من أجلنا . كان الشعب يئن من بئر العبودية ، وكان الله يري ويشفق . ولكنه يصبر ويقول لا أخرجكم الآن ... لماذا ؟ لأن " كأس الأموريين ليس كاملاً " ( تك15 : 16 ) . لم يمتلئ بعد كأس الغضب على أعدائكم . سيأتي الوقت الذى أطردهم أمامكم ، وبالنسبة إليهم في استحقاق وعدل . وحينئذ تكون " كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله " 0 رو8 : 28 ) .


نقول له : وأنت يارب إلى متى ؟ ونحن واثقون تماماً أنه لابد سيأتي ...
ولو في الهزيع من الليل ( مت14 : 25 ) ، ولو في اليوم الرابع لموت لعازر ( يو11 : 17 ) . إنه سيأتي . سيأتي سريعاً ولا يبطئ ( رؤ3 : 11 ) . إذن " انتظر الرب ، تقو وليتشدد قلبك ، وانتظر الرب " 0 مز27 : 14 ) . ليس بنفس منزعجة ، وإنما تقو . كن متشدداً . تقو بالأيمان .

يتابع داود مزموره ، فيقول للرب :

في وسط الخطية والتعب ، بدأ يذكر الموت . فإن تذكار الموت مفيد بلا شك ... إنه يريد أن يطمئن على أن الرب قد أحياه ( روحياً ) قبل أن يموت . كثير من الناس يقولون نريد أن نموت . هل هو مطمئن على نفسه : إن مات ، إلى أين يذهب ؟!

من هو الذى يشتهي الموت ؟ إنه الإنسان الذى يسطتيع أن يقول مع القديس بولس الرسول :
لى إشتهاء أن أنطلق ، وأكون مع المسيح . ذاك أفضل جداً " ( 1فى 1 : 23 ) .
رولاقلـ يسوع ـب
02-06-2008, 12:09 PM
هذا يعرف أنه بعد الموت سيكون مع المسيح . سيكون معه فى الفردوس ( لو23 : 43 ) . لذلك رأي أفضل جداً . أما داود فكان لا يزال يخاف من الموت . لذلك يقول : ليس في الموتي من يذكرك ولا في الجحيم من يعترف لك ...
أنا أريد أن أذكرك الآن ، وأعترف لك الآن ، قبل أن أموت .
إننى أميل من جهة عبارة " ليس في الموتي من يذكرك " أن يكون المقصود هو الموتي بالخطايا ... وعن هذا قال الرسول " كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا ، التي سلكتم فيها قبلاً " ( أف2 : 1 ) . لذلك فإن داود يقول :
إحيني .. لأنه ليس في الموتي من يذكرك .
أعطنى أن أكون حياً فيك ، أي أنقذني من الموت ، موت الخطية ، ومن الخطية التي أجرتها الموت ( رو6 : 23 ) .
فإن صرت حياً فيك ، سأحيا إلى الأبد ، لأنه ليس في الموتي من يذكرك . الأموات بالخطايا لا يذكرونك هنا على الأرض ، لأن لها مشاغل أخرى تلهيهم عنك . وأيضاً حينما يذهبون إلى الجحيم ، لا يعترفون لك .
X X X
هنا ، ونذكر أنواعاً من الموت .
أولاً موت الجسد ، وهو انفصال الجسد عن الروح .
ثانياً : الموت الأدبي ، وهو فقدان الصورة الإلهية ، فقدان الطابع الروحي ، الذى يميز أولاد الله عن أهل العالم ، الذي قال عنهم الرسول " بهذا أولاد الله ظاهرون ، وأولاد الله ظاهرون ، وأولاد إبليس [ ظاهرون ] " ( يو3 : 10 ) .
ثالثاً : الموت الروحي ، وهو انفصال الروح عن الله . وهذا ما قصده الرسول بعبارة " أموت بالخطايا " ( أف2 : 1 ، 5 ) .
رابعاً : الموت الأبدي هو الهلاك الأبدي ، الذى قال عنه الرب في مصير الأشرار " فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي " ( مت25 : 47 ) . هو الإلقاء في بحيرة النار والكبريت ( رؤ20 : 10 ) ... في الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأنسان ( مت25 : 30 ) .
X X X
X الذين ينتهون إلى الموت الأبدي ، هم الذين قال عنهم الرب " تموتون في خطاياكم . وحيثأمضى أنا ، لا تقدرون أنتم أن تأتوا " ( يو8 : 21 ) . هؤلاء لا يذكرون الله ولا يعترفون له ، وهم في ظلمتهم الخارجية ، التي هي خارج عشرة الله وقديسيه ، حيث هم في بحيرة النار والكبريت .
Xوالذين في الموت الأدبي ، أو في الموت الروحي ، فهؤلاء لا يذكرون الله أيضاً ولا يعترفون له ، لأنهم في حياة الخطية . لكن أمامهم فرصة للتوبة وهم على الأرض . فإن تابوا ، ينطبق عليهم قول الآب : " إبنى هذا كان ميتاً فعاش ، وكان ضالاً فوجد " ( لو15 : 24 ) .
والتوبة بالنسبة إليهم ، تعتبر قيامة من الموت ، موت الخطية .
X أما موت الجسد ، فحسب نوعيته تكون الصلة بالله . إن مات الإنسان وهو في حالة خطية ، تنطبق عليه عبارة " ليس في الموتي من يذكرك .. " .
X X X
أما الذي يموت في بره ، فتنطبق عليه صلوات الكنيسة عنه ، قائلة للرب :
لأنه ليس موت لعبيدك ، بل هو انتقال . هؤلاء في موتهم يذكرون الله ويعترفون له ، لأنهم يكونون معه في الفردوس ، ثم في الملكوت .
وطبعاً هؤلاء – بعد الموت – يسبحون الله ويعترفون له بأرواحهم ، التي تكون حية بعد الموت . أما الجسد فيتحول إلى تراب ، وليس في تلك الأجساد المائتة تسبيح لله ، إلا بعد القيامة ، حينما تقوم أجساداً روحانية سماوية ( 1كو15 : 44 ، 49 ) . حينئذ تذكر الله وتعترف له بعد أن تتحد بأرواحها .
X X X
هذا الموت بالجسد – في بر – يمتدحه الرسول ، فيقول عنه الرسول " لي الحياة هي المسيح . والموت هو ربح " ( في1 : 21 ) . ويقول أيضاً " عالمون ونحن مستوطنون في الجسد ، ونحن مستوطنون في الجسد ، فنحن متغربون عن الله ، لأننا بالأيمان نسلك لا بالعيان . فنثق ونسر بالأولي أن نتغرب عن الجسد ، ونستوطن عند الرب " ( 2كو5 : 6 – 8 ) . إنه يسر بالموت ، إذ يتغرب عن الجسد ، ويستوطن عند الرب .
أما أنت ففي صلاتك ، حاول أن تصل إلى عشرة مع الله ، قبل أن تموت .
X X X

بعد أن يتذكر داود الموت ، وكيف لا يذكرون الله ولا يعترفون له ، يقول للرب .

" تعبت في تنهدي . أعوم في كل ليلة سريري .. " .
إنه يتنهد بصعوبة . لأنه عملياً الذي يتنهد كثيراً ، يأتى علية وقت يتعب فيه من التنهد ، ويصبح غير قادر عليه ... قيل مرة عن داود وأصحابة ، حينما أحرق العمالقة مدينة صقلع ، وسبوا النساء وأخذوا الرجال والأطفال أسري ... أن داود وأصحابة " رفعوا أصواتهم وبكون . حتى لم يتبق لهم قوة للبكاء " ( 1صم30 : 4 ) .. تعبير صعب ...
حقاً قد يبكي الإنسان ، ويكثر من البكاء ، حتى يأتى عليه وقت : يتعب فيه من البكاء ، ولا تبقى فيه قوة البكاء !!
هكذا فعل داود .. تنهد على خطاياه ، حتى تعب من تنهده . تذكر شهوته وزناه ، تذكر كيف احتال على أوريا الحثى أن يذهب إلى بيته ، لكي لا يعمل خطيته . وكيف كان الرجل أنبل منه وأسمي ( 2صم11 : 10 ، 11 ) . وتذكر كيف احتال لكي يقتل أوريا في الحرب ، لكي لا يعمل بما حدث . وقتل أوريا فعلاً . وتذكر كيف أنه لم يبال بتسببه في قتل أوريا ، بل أرسل إلى يوآب رئيس الجيش يقول له " لا يسؤ في عينيك هذا الأمر . فإن السيف يأكل هذا وذاك " ( 2صم11 : 25 ) .
لقد بكي داود . ولكنة لم يبك طلباً للمغفرة ، وإنما بعد أن نال المغفرة !
لقد قدم توبة والتوبة تغفر الخطية . ولكن هذه المغفرة لا تمنع من أن الخطية قد أرتيكت وتم الأمر ، ولها آثارها النفسية التي قد لا يستطيع الإنسان أن يتلافها ... بالنسبة إلى داود ، كان قد نال المغفرة عن خطيئته من قبل ، حينما شرح له ناثان النبي عمق تلك الخطية ، فقال داود " أخطأت إلى الرب " . وقال له ناثان " الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك ، لا تموت " ( 2صم12 : 13 ) ، أي نقلها إلى حساب المسيح ليمحوها بدمه ، وتغفر لك ، فلا تموت . إذن لماذا بكى داود ؟
لقد بكي تأثراً وحزناً ، إذ قد نزل إلى المستوى الذى فعل فيه كل ما فعل ...
لقد حزن لأنه أغضب الله . وأيضاً لأنه أحزن الروح القدس الذي حل عليه يوم مسحته .. حزن أيضاً لأنه فقد سموه ، وفقد نقاوته ، وفقد بره وعفته وطهارته ، وفقد نبله وانحدر مستواه الروحي ...
من جهة المغفرة ، قد غفرت الخطية . ولكن في نفسه صوتاً يقول : كيف أفعل كل هذا ؟! وأين كان ضميرى ؟! وهكذا كانت خطيته أمامه في كل حين " ( مز51 ) ، لا تفارق ذاكرته ولا تفارق مخيلته ، تذكره بأنه فقد الصورة الإلهية التي له ولم يحتفظ بكرامة المسحة التي نالها من الروح القدس ، فتضطرب عظامه ، ونفسه تنزعج جداً .
X X X
إنه يقول : أعوم كل ليلة سريرى . وبدموعي أبل فراشي .
ولماذا يعوم سريره كل ليلة ، وليس بالنهار ؟
في النهار مشغول عن نفسه بأشياء كثيرة .. مشغول بأمور الملك والجيش والقضاء ، والتعامل مع الناس ومع الشعوب المقاومة له . مشغول بأعباء المملكة ، وليس لديه وقت للبكاء على خطاياه . بل ولا يخطر ذلك على فكره ... أما بالليل ، حينما يخلو إلى نفسه بعيداً عن دوامة العمل . وإذ ينفرد بنفسه ، يحاسب نفسه كثيراً ، فيتذكر خطاياه ويبكى ..
X X X
ويقول أعوم كل ليلة سريرى ، وبدموعي أبل فراشي ...
لو قال أعوم الوسادة بدموعي ، لكان الأمر معقولاً .. ولكنه يقول أعوم سريرى . أبل فراشي.
وهذا يدل على كثرة البكاء الذى لا ينقطع ، الذى لا يبل وسادته فحسب ، بل فراشه كله ، ويعوم سريره بالدموع ... إنه بكاء غير عادى . من دموع لا تهدأ ولا تقف عند حد ... كل جزئية من تفاصيل خطيته تحتاج إلى بكاء . وعلى فراشه خطيته أمامه في كل حين ( مز51 ) .
X X X
نعم هذا داود الباكي في ليليه ، الذى يقول :
" في المساء يحل البكاء .. " ( مز30 : 5 ) . إنها فترة هادئة يقضيها مع نفسه ، بعيداً عن دوامة العمل والمشغوليات ، يصلى ويتأمل ، ويتذكر خطاياه فيبكى . حينما تتذكر بكاء داود اسأل نفسك : هل لك بكاء على خطاياك مثل بكائه ؟!
X X X
إنه يقول أيضاً بعد ذلك :
" تعكرت من الغضب عيناي .. شاخت من سائر أعدائي . وفى ترجمات أخرى " تعكرت من الغم عيناي " . والقصد واحد : سواء حزنه ، أو غضبه على نفسه ، أو غضب الله بسبب كل هذا تعكرت عيناه " . أي أنه بسبب الحزن والبكاء ، ومن الغضب الذى ثار في صدره ضد ما ارتكب من خطايا ، تعكرت عيناه ، وأدركتهما الشيخوخة في غير وقتها . وهذا واضح الحدوث ...

ما أكثر القصص عن الدموع في حياة القديسين .
القديس أرسانيوس الكبير بكائه تساقطت رموش عينيه . هذا القديس العظيم كان يبلل الخوص بدموعه ، وكان يضع فوطة على رجليه أثناء عمل يديه ليتلقى فيها دموعه . بينما أرسانيوس هذا كان رجل صلاة ، يقضى الليل كله في الصلاة . يقف للصلاة والشمس قد غابت ، ويظل حتى تظهر أمامه مرة أخرى . ومع ذلك فهو يبكى ...
X X X
رولاقلـ يسوع ـب
02-06-2008, 12:10 PM
فليخزوا إذن ، وليرتدوا إلى الوراء . ولعا هذا يحمل استجابة لصلاة قالها في مزمور آخر وهي :
" اصنع معي آيه صالحة ، ليري ذلك مبغضي فيخزوا " ( مز86 : 17 ) .
وفي مزموره ( مز6 ) ، لا يقصد بالخزى مبغضيه فقط ، وإنما يقول فليخز ( جميع أعدائي ) . لأنه قال في مزمور آخر " كثيرون قاموا على . كثيرون يقولون لنفسي : ليس له خلاص بإلهه " ( مز3 ) ... كل هؤلاء الشامتين الحاقدين ، فليخزوا .. سريعاً جداً ، وليرتدوا إلى الوراء ، وليضطربوا جداً ...
أما أنا فأفرح بالرب ... بالرب الذي صنع معي آيه صالحة . بالرب الذي سمع صوت بكائي ، ولصلاتي قبل . مبارك يا داود على هذا الفرح والتهليل . حقاً كما قلت :
صوت التهليل والخلاص في مساكن الأبرار ( مز118 : 15 ) .

يختم داود مزموره هذا بكلمة ( هللويا ) ...
وهي عبارة تعني التهليل للرب ، أو الفرح بالرب . وتختم بها كثير من مزامير داود ، حتى المزمور الخمسين ، مزمور التوبة المشهور ، ينتهي بعبارة هللويا أيضاً وعجيب أن مزمور " لا تبكتني بغضبك " المزمور الثالث " يارب لماذا كثر الذين يحزنونني " . ومزمور الثالث " يارب لماذا كثر الذين يحزنونني " . ومزمور " إلى متى يارب تنساني " ( مز12 ( 13 ) . بل كل مزامير صلاة باكر ...
حقاً إن داود قد يبدأ صلاته بالحزن ، ثم يختمها بالفرح والتهليل .
زكما يقول الكتاب " نهاية أمر خير من بدايته " ( جا7 : 8 ) . لأن البداية فها مشاكلنا نقدمها إلى الله . والنهاية تحمل حل الله لهذه المشاكل ... وهكذا قد يبدأ مضطرباً يقول " نفسي قد انزعجت جداً وينتهي بالفرح والتهليل . إنه درس لنا .